م أستغرب أن تبوح لي نادية ذات العقد الثالث من عمرها عن أسرار الطفولة وعدد تجارب التحرش الجنسي ومحاولات الاغتصاب التي مرت بها من ذكور مقربين منها مثل أحد باعة المحلات، وابن جيرانهم ا
لمراهق الذي كان يتسلق جدار سطح منزلهم محاولا الوصول إلى جسدها.
وروت لي كيف تواطأت مع هذه الحكايات لتبقى طي الكتمان واعتبارها أسرارا من المحرم الإعلان عنها، ليس لأنها راضية عنها، وهي تؤكد أنها مازالت تشعر بخزي وإذلال رغم كونها ضحية، في طفولتها خافت في حال تصريحها منعها من اللعب مع بنات الجيران، وارتبط في ذاكرتها أن التحرش بالصغيرات حتمية وثمن متعة الذهاب للعب في مجتمع يغلق الأبواب على بناته، وفرص الالتقاء بالزميلات والصديقات لاتتجاوز أسوار المدرسة والمنزل، ولتحمي نادية لحظات المتعة القصيرة لأن خيارات التنفس محدودة، وبالتالي تحتفظ بأسرارها تفاديا لحرمانها من إنزال العقاب بها هي وترك الجاني طليقا بلارادع، وربما يكون هذا حال الكثير من ضحايا جرائم التحرش والاغتصاب.
نادية تضيف أن الأمر انتهى باغتصابها من بائع في «تموينات» بقرب منزلهم وترفض الزواج حتى لا تواجه باتهامها الأخلاقي، وهي محطمة ولاتستطيع نسيان ماحدث ولازالت كوابيسه تطاردها في نومها، وتشير إلى أن قريبتها ورفيقة طفولتها «منى» تعرضت لتجارب مشابهة انتهت بزواج فشل في شهره الأول؛ بسبب عدم تقبلها أن يلمسها رجل بعد ذكرى سيئة لاتفارقها، وعلى هذه التجارب نستطيع القياس حول تجارب أخرى يتعرض لها الأطفال إناثا وذكورا في سنوات النمو المبكرة ويتكتمون عليها لكن انعكاساتها أخطر مما نتصور.
علينا الاعتراف بأننا مجتمعات لا تمنح الأمان للصغار والأطفال من حولنا للبوح عن ما يكابدون، ونهرب من مناقشة وإيجاد حلول لقضايانا وعاهاتنا، كيف نعرف بوجود مشكلة ونبحث حلولها مع أطفال يديرون أسرارهم بذكاء؟